عندي لكم رواية حلوة أتمنى انها تعجبكم
روي في كتاب التوابين: أن رجلا كان يعرف بي (( دينار العيار)) كانت له والدة تعظه ولا يتعظ، فمر في بعض الأيام بمقبرة كثيرة العظام ، فأخذ منها عظاما نخراً فتفتت في يده ففكر في نفسه ، وقال لها : ويحك! كأني بك غداً قد صار عظمك هكذا رفاتا ، والجسم ترابا ، وأنا اليوم أقدم على المعاصي !!
فندم ندم شديدا وعزم على التوبة ، ورفع رأسه الى السماء وقال: إلهي ! القيت اليك مقاليد أمري فأقبلني وارحمني ثم مضى نحو أمه ، متغير اللون ، منكسر القلب ، فقال لها: يا أماه! ماذا يصنع بالعبد الآبق ( الهارب) إذا أخذه سيده؟! قالت: يخشن قلبه ، ومطعمه، ويغل يده وقدمه ! قال: أريد جبة من صوف ، وأقراصا من شتركي، وتفعلين بي ما يفعل بالآبق ، لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني!
ففعلت ما طلب! فكان اذا جنه الليل ( اظلم عليه الليل) أخذ في البكاء والعويل، ويقول لنفسه : ويحك يا دينار ! ألك قوة على النار؟! كيف تعرضت لغضب الجبار؟! وهكذا الى الصباح.
فقالت له أمه في بعض الليالي: ارفق بنفسك! فقال: دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا! يا أمي! إن لي موقفا طويلاً بين يدي رب جليل ، ولا أدري أيؤمر بي الى الظل الظليل( يراد به الجنه) ، أو الى شر مقيل ( مكان القيلولة والتي يشتد فيه الحر عند الظهيرة والمراد به النار) إني أخاف عناء لا راحة بعده وتوبيخا لا عفو معه
قالت: فاسترح قليلا يا ولدي
فقال: الراحة أطلب أتضمنين لي الخلاص؟
قالت: فمن يضمنه لي؟!
قال: فدعيني يا أماه وما أنا عليه كأنك يا أماه غدا بالخلائق يساقون الى الجنة وأنا اساق الى النار فمرت به في بعض الليالي وهو يقرأ ، ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) ففكر فيها وبكى، وجعل يضطرب كالحية حتى خر مغشيا عليه فجاءت أمه لديه ونادته، فلم يجبها!
فقالت: قرة عيني أين الملتقى؟
فقال: ان لم تجديني في عرصة القيامةأ فأسألي مالكا ( يقصد به يريد مالكا خازن النار وقد جاء ذكره في القرآن الكريم: ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون) ) عني ثم شهقة شهقة مات فيها، فجهزته ، وغسلته، وخرجت تنادي : أيها الناس ! هلموا الى الصلاة على قتيل النار! فجاء الناس فلم يرى أكثر جمعا ، ولا أغزر دمعا من ذلك اليوم!